languageFrançais

من فكرة عام 1992 إلى صرح عالمي: رحلة المتحف المصري الكبير وأسراره

من فكرة تعود جذورها إلى عام 1992، أضاءت مصر اليوم السبت 1 نوفمبر 2025 المتحف المصري الكبير عند سفح الأهرامات، في لحظة جمعت بين عبق التاريخ وروح الحاضر.. أروقة المتحف الفخمة تتلألأ بالكنوز الفرعونية النادرة، فيما غمرت الاحتفالات قلب الجيزة بالحركة والنشاط، مع الألعاب النارية والأنغام القديمة التي أسرّت أنظار العالم نحو هذا الصرح الحضاري الاستثنائي.

وأضاء المتحف أنواره أمام الضيوف الحاضرين، لتظهر القطع الفرعونية النادرة وسط أجواء احتفالية مبهرة، بينما انعكست الأضواء على سماء الأهرامات لتشكل مشهدا مهيبا أبهر الحضور.

ورفع المشاركون هواتفهم لتوثيق تلك اللحظات التاريخية، التي تخللتها الألعاب النارية وأنغام الترانيم المصرية القديمة والمجسمات الضوئية التي زينت الافتتاح في مشهد مفعم بالفخر والرمزية.

* صور من حفل الافتتاح الرسمي

ووضع السيسي القطعة الأخيرة التي تحمل اسم "مصر" في النموذج المصغر للمتحف، والذي تتكوّن أجزاؤه من أسماء الدول المشاركة في الافتتاح، معلنا بذلك الافتتاح الرسمي لهذا الصرح الحضاري العالمي.

وخلال كلمته في افتتاح الحفل، قال الرئيس السيسي: "أستهل كلمتي بالترحيب بكم على أرض مصر، أقدم دولة عرفها التاريخ.. هنا حيث خطت الحضارة أول حروفها، وشهدت الدنيا ميلاد الفن والفكر والكتابة والعقيدة". وأضاف: "لقد ألهمت مصر القديمة شعوب الأرض قاطبة، ومن ضفاف النيل انطلقت أنوار الحكمة لتضيء طريق الحضارة والتقدم الإنساني، معلنة أن صروح الحضارة تُبنى في أوقات السلام، وتزدهر بروح التعاون بين الشعوب".

* اقرأ أيضا: السيسي مفتتحا المتحف المصري الكبير: 'نكتب فصلا جديدا من التاريخ'

وأكد الرئيس المصري أن المتحف المصري الكبير "ليس مجرد مكان لحفظ الآثار، بل شهادة حية على عبقرية الإنسان المصري وصورة مجسمة لمسيرة شعبٍ سكن أرض النيل منذ فجر التاريخ، فكان وما زال صانعاً للمجد ورسولاً للسلام". وثمّن السيسي التعاون الدولي الذي ساهم في إنشاء المتحف، مشيدا بالدعم الكبير الذي قدمته دولة اليابان الصديقة خلال مراحل التنفيذ، ودعا الحضور إلى جعل المتحف "منارة للحياة ومركزاً يبرز رسالة مصر في نشر السلام والتواصل بين الشعوب".

* السيسي يضع حجر مصر في الافتتاح

أحد أكبر المتاحف في العالم: موقعه ومساحته..

يقع المتحف المصري الكبير في محافظة الجيزة على هضبة الجيزة، وعلى بُعد نحو كيلومترين فقط من منطقة الأهرامات، ما يجعله قريبا جدا من أهم مواقع التراث العالمي ويتيح للزوار زيارة المتحف والأهرامات في يوم واحد.

ويتمركز المتحف عند بداية طريق القاهرة–الإسكندرية الصحراوي، في موقع إستراتيجي يطل مباشرة على هضبة الأهرامات، ويمتد على مساحة تصل إلى 500 ألف متر مربع، بينما تبلغ مساحة المبنى الرئيسي أكثر من 300 ألف متر مربع، وهو بذلك أحد أكبر المتاحف في العالم المخصصة لحضارة واحدة (الحضارة المصرية القديمة).

 

تاريخ يمتد إلى 1992: من الفكرة إلى الافتتاح الرسمي

بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير عام 1992، وخصّصت له حينئذ مساحة تبلغ 117 فدانا (491 ألفا و400 متر مربع) بالقرب من أهرام الجيزة.

وفي عام 2002، وُضع حجر الأساس لمشروع المتحف في موقع يطل على أهرامات الجيزة، وأعلنت الدولة المصرية، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، عن مسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف.

وفازت شركة "هينغان بنغ" للمهندسين المعماريين الأيرلندية بالمسابقة، وانطلق العمل في بناء المتحف في ماي 2005، وفي العام التالي أنشئ أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، وافتتح عام 2010، وخصص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المقرر عرضها بقاعات المتحف.

 

وفي عام 2016، أصدر مجلس الوزراء المصري قرارا بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصري الكبير، وفي عام 2020 صدر قانون تنظيم هيئة المتحف باعتبارها هيئة عامة اقتصادية وجهة حكومية تقدم خدمات عامة مع استقلالية مالية وإدارية، وتتبع الوزير المختص بشؤون الآثار.

وأصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارا بتشكيل مجلس أمناء هيئة المتحف المصري الكبير برئاسته وعضوية عدد من الشخصيات البارزة والخبراء الدوليين والمحليين، ويختص المجلس بإقرار السياسة العامة والخطط اللازمة لهيئة المتحف ودعم ومتابعة نشاطه. وفي عام 2018، استقبل "البهو العظيم" تمثال الملك رمسيس الثاني، وهو أول قطعة أثرية تستقر في قلب المتحف.

وفي عام 2020، وصلت نسبة إتمام البناء إلى 97%، وفي العام التالي اكتملت البنية التحتية الرقمية للمتحف بنسبة 90%، مما مهد الطريق لجعله مركزا حديثا للتكنولوجيا والتراث، وفقا لموقعه الرسمي. وفي عام 2023، افتتح "الدرج العظيم" بشكل جزئي لاستقبال الزوار، ثم جرى الافتتاح الجزئي للقاعات الرئيسية للمتحف. وفي الأوّل من نوفمبر 2025، جرى الافتتاح الرسمي للمتحف بحضور رسمي واسع.

1.2 مليار دولار ومشوار طويل..

واجه مشروع المتحف الكبير العديد من المعوقات أولها التمويل حيث بلغت تكلفة البناء نحو 1.2 مليار دولار، وبعد عرض فكرة المشروع على عدة جهات دولية وافقت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي على منح الحكومة المصرية 800 مليون دولار في شكل قرضين ميسرين في حين تكفلت خزانة الدولة بتدبير باقي المبلغ المطلوب.

 

واستغرقت الدراسات الأولية ودراسة الجدوى وإعداد كراسة الشروط المرجعية أكثر من 10 سنوات، وفي عام 2002 وضع حجر الأساس للمشروع، وفي منتصف عام 2010، تم الإعلان عن الانتهاء من المرحلتين الأولى والثانية للبناء، مشتملة على تأهيل وإعداد موقع المتحف وبناء المركز الدولي للترميم وهو المخصص لحفظ وتأهيل القطع الأثرية.

وفي جانفي 2011، توقّفت الأعمال الإنشائية إلى أن تمّ استئنافها عام 2016، وفي عام 2020 وصلت نسبة إنجاز البناء إلى 98%. وفي العام نفسه صدر قانون يدرج هيئة المتحف كهيئة عامّة اقتصادية تتبع وزارة الآثار.

وفي عام 2021، تمّ الانتهاء من 90% من البنية التحتية الرقمية بالمتحف، وكان مخططا أن يكون الافتتاح الرسمي في 3 جويلية الماضي، لكن توتّرات إقليمية بسبب الحرب بين إيران وإسرائيل أدّت إلى تأجيل الموعد إلى الربع الأخير من العام.

 

من البهو العظيم إلى قاعات توت عنخ آمون: رحلة عبر حضارة مصر القديمة..

ميدان المسلة المُعلقة: المسلة المعلقة هي قطعة أثرية ضخمة من حجر الغرانيت، تعود إلى عهد الملك رمسيس الثاني، وتحمل نقوشا هيروغليفية على سطحها. وقد وضعت في مساحة واسعة أمام المدخل الرئيسي للمتحف المصري الكبير، وتبلغ مساحتها نحو 30 ألف متر مربع.

البهو العظيم: أحد أبرز عناصر المتحف المصري الكبير، ويعرض مجموعة من التماثيل العملاقة التي تجسّد الفن المصري القديم وتعبر عن التبجيل للملوك والحكام.

ومن أهم القطع المعروضة في البهو تمثال حجري ضخم للملك رمسيس الثاني وعمود الملك مرنبتاح، إضافة إلى تمثالين لملوك وملكات من عصر المملكة البطلمية (305 قبل الميلاد – 30 قبل الميلاد).

الدَّرج العظيم: يضم الدرج العظيم بالمتحف مجموعة واسعة من القطع الأثرية التي تعكس السلطة والفن الملكي في الحضارة المصرية القديمة، وتعرض التماثيل الحجرية الضخمة للملوك والملكات براعة النحت المصري القديم وتجسد مكانة الحكام.

 

كما يُبرز الدرج عناصر معمارية مستوحاة من المعابد، التي أنشئت "للحفاظ على النظام الإلهي للكون"، وتوضح العلاقة المتبادلة بين الملوك والمعبودات في الثقافة المصرية القديمة.

إضافة إلى ذلك تحتوي بعض المعروضات على قطع تحاكي الطقوس المرتبطة بالرحلة إلى الأبدية، موفرة فهما لاعتقادات المصريين القدماء بشأن الحياة بعد الموت.

قاعات عرض كنوز توت عنخ آمون: تقدّم قاعات عرض كنوز توت عنخ آمون بالمتحف المصري الكبير رؤية شاملة لمقبرة الملك التي اكتشفها عالم الآثار الإنجليزي هوارد كارتر عام 1922 برعاية اللورد كارنارفون، مع عرض القطع الأثرية المميزة لـ"الفرعون الذهبي".

وتتناول المعروضات هوية الملك وعائلته وسبب وفاته المحتمل وفقا لأحدث الدراسات العلمية. كما تعرّض القاعات الأثاث الجنائزي للملك، بما في ذلك التوابيت التي تحفظ مومياءه، إضافة إلى القطع التي تعكس جوانب حياته المختلفة.

 

قاعات العرض الرئيسة: تُتيح قاعات العرض الرئيسة في المتحف تصورا شاملا للمجتمع المصري القديم، عبر الأدوات والمقتنيات التي تعكس التنوع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

وتُسلّط المعروضات الضوء على أصول الملكية ودور الملكات وأفراد الأسرة الملكية عبر العصور، منذ ما قبل التاريخ حتى العصر الروماني. وتعكس القطع المعروضة المعتقدات الدينية للمصري القديم وتطور الفكر الديني في المنطقة عبر العصور.

متحف مراكب الملك خوفو: يضم المتحف المصري الكبير مراكب الملك خوفو، وهي من أقدم وأهم الآثار المصنوعة من مواد طبيعية في التاريخ البشري، وأكثرها حفظا، وقد صنعت أساسا من خشب الأرز إلى جانب أنواع أخرى من الأخشاب، ويبلغ طول المركب الأول نحو 42.32 مترا.

 

واكتُشفت حفرتان للمراكب في هضبة الجيزة عام 1954، بعد أن كانت هناك 3 حفر فارغة معروفة سابقا، وعثر في الحفرتين على الخشب المفكك لمراكب الملك خوفو.

واستغرقت إعادة تجميع المركب الأول أكثر من 10 سنوات، وظلت محاولات نقله صعبة حتى عام 2019، حين قررت الجهات المعنية نقله بالكامل دون تفكيك إلى المتحف المصري الكبير بعد دراسات هندسية وأثرية دقيقة، فتم النقل بنجاح على مدار 3 أيام في أوت 2021 مسافة 8 كيلومترات.

أمّا المركب الثاني، فبدأ استخراج قطعه الخشبية عام 2014 وتمّ ترميمه ونقله إلى المتحف، إذ عُرض بشكل تفاعلي يتيح للزوار متابعة عملية الترميم وإعادة التركيب.

وعرضت تلك المراكب الخشبية الفريدة في مبنى منفصل داخل المتحف صمم خصيصا لتسليط الضوء عليها، إذ يُعتقد أنها استخدمت أثناء جنازة الملك خوفو أو خصصت لرحلته في العالم الآخر بصحبة "إله الشمس رع".

مصادر: الجزيرة + مواقع إخبارية